فلسفة الأخلاق
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

فلسفة الأخلاق

التسامح والمواطنة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 حقوق الإنسان بين المقاربة الدينية والمقاربة العلمانية د . سهيل فرح الجزءاالأخير

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 82
نقاط التمييز : 56014
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 07/01/2009

حقوق الإنسان بين المقاربة الدينية والمقاربة العلمانية    د . سهيل فرح      الجزءاالأخير Empty
مُساهمةموضوع: حقوق الإنسان بين المقاربة الدينية والمقاربة العلمانية د . سهيل فرح الجزءاالأخير   حقوق الإنسان بين المقاربة الدينية والمقاربة العلمانية    د . سهيل فرح      الجزءاالأخير I_icon_minitimeالأربعاء يونيو 03, 2009 2:53 pm

- في الحضارة الروسية هناك اشكالات تاريخية والتباسات عميقة في الرؤية العلمانية والدينية لمسألتي حقوق الانسان وللجانب الروحاني في الشخصية الانسانية. فمن رؤية شمولية دينية كانت تطبع الرؤية الروسية لحقوق الانسان ولقيمه الروحية، والتي سادت طوال اكثر من تسعمئة سنة، بدءاً من معمودية روسيا في الثلث الاخير من القرن التاسع وحتى اندلاع الثورة البلشفية، شكلت فكرة الالحاد العلماني واحدة من مرتكزات عقيدتها الاساسية. بين الرؤية الشمولية الدينية والفكرة التوتاليتارية الالحادية عاشت الثقافة الروسية مساحات واسعة من القلق الوجودي انعكست على رؤيتها الانثروبولوجية العلمانية الملحدة لحقوق الانسان ولذاتها الثقافية وللعالم بأسره. وقع صدام تاريخي بين ذهنيتين روسيتين لمفهوم حقوق الانسان ولمكانته الجسدية والروحية في الارض وفي السماء. ان الحدة في الصراع بين النظريتين والفلسفتين مصدرها فلسفة انسانية عامة واخرى روسية محلية. الاولى متعلقة بالصراع القائم عالمياً بين المقاربة العلمانية للوجود الاسناني والمقاربة الدينية لها. والثانية متعلقة بتعلق الروسي بنهايات الاشياء وبحيث لم تتوافر له في معظم حقبات تاريخه اية مساحات واسعة للتوازن والتواصل والتفاعل بين الآراء والفلسفات المختلفة. فالمقاربة الانثروبولوجية الدينية تربط المصير الانساني بالمشيئة الربانية، وتحاول ان تضع مسافة واسعة بين الخالق والمخلوق، والهدف من ذلك هو السعي الدائب لتحرير النورانية الربانية من انحرافات الزمان ومن التحولات الدراماتيكية في التاريخ. في حين نرى المقاربة العلمانية الانثروبولوجية تربط المصير البشري بحقوق الانسان وبالمسار العام للصيرورة التاريخية وللجدلية التاريخية المتغيرة على الدوام. فالفكر العلماني في هذا السياق يحصر مجاله في عالم الدنيا. وهو بذلك لا يريد أن يربط رؤيته لحقوق الانسان، بما فيها حريته واستقلاليته وكرامته، بمرجعية نصية فوق تاريخية، فوق بشرية. في فضاء الثقافة العلمانية، فإن موضوعة حقوق الانسان تأتي من جراء فعل الانسان نفسه. وهي حقوق يتساوى فيها الفعل البشري في صنع حركية الحياة المنتجة لكل القيم المادية والثقافية. البشر أنفسهم هم الذين ينظمون العلاقات القانونية في ما بينهم. من هنا فإن حقوق الانسان وحتى ما يبدعه من قيم جمالية وروحية وثقافية هي في الحصيلة العامة لا تخرج عن الاطار الزمني والملموس التي يصنعها الانسان نفسه في عالم دنياه.
في المقاربة الانثروبولوجية الدينية، للانسان بعدان واحد جسدي أرضي دهري وآخر روحي، سماوي، أزلي. وهو المخلوق من الطبيعة الارضية والكونية مدعو باستمرار للرجوع والتوق الى خالقه المافوق أرضي. وما مساواته في الحقوق والواجبات مع اخوته من بني البشر الا مساواة ضمن البدايات الاولى لظروف العيش والتواصل الحضاري ضمن اطار المدينة الارضية، في حين إنه وهو الوحيد المخلوق على صورة خالقه مدعو دوماً لان يربط مصيره به. في التأويل الانثروبولوجي الديني لحقوق الانسان، حسب الفهم المعاصر لها تصور يقول بأن النظرة لهذه المسألة والعلاقة العينية مع حقوق الانسان تنطلق من "تحت"، في حين ان الرؤية الدينية تنظر الى الانسان وحقوقه من "فوق". في المقاربة العلمانية تتحدد دائرة الحقوق والمُثُل في العالم الارضي، في حين ان الحقوق والحرية والقيم في المفهوم الديني تدخل ضمن ما يسمونه في دائرة ملكوت السماوات التي تسكن ذهن المؤمن على الارض.
الفهم العلماني لحقوق الانسان ولحريته ينطلق من الايديولوجية الليبرالية للخيار الحر الذي يخلقه الفرد لنفسه وللمجتمع، في حين ان الفهم الديني يرتكز على ايديولوجية الواجب المدعو لتلبية النداء الديني الرباني. في الفضاء الليبرالي الديموقراطي - العلماني كل الخيارات مفتوحة، والحرية الانسانية يتوجب أن تكون منعتقة من كل ضوابط. في حين ان اختيار العقيدة والايمان يحدث عند الانسان مرة واحدة في الحياة، وبالتالي فإن نشاط العقل الانساني وسلوكياته تدور ضمن هذا الخيار الواحد. في الحالة الاولى يكون الصانع والخالق هو القرد، في حين ان الصانع الحالة الثانية هو الفرد وما "فوق الفرد". وهكذا فإن المرجعية التي تحدد صدقية وخط الرؤية الانسانية للحق في المقاربة الانثروبولوجية الليبرالية هي الفرد نفسه، وما يفكر به ويمارسه في عالم دنياه، بينما في الحالة الدينية تُحدّد دائرة التفكير بالحق وبالقيم الروحية بخالق الانسان نفسه، أي الله. وان أية فكرة او نشاط سلبي يفرغ الطبيعة الانسانية من وهجها الرباني، ومن صورته المتسامية يضع الفعل النظري والعملي نفسه في موقع النقيض من الجوهر الالهي نفسه.
في هذا السياق تبدو نصوص حقوق الانسان التي نصت عليها مواثيق هيئة الامم المتحدة في عام 1948 والاخرى التي نصت عليها دساتير الاتحاد الاوروبي وغيرها من الدساتير العلمانية في أكثر من بلد، وكأنها في موقع النقيض مع الرؤية الدينية، لا بل المعاداة لها. ومن هنا يمكن تفهم سبب الهجوم المعاكس الذي تشنه الذوات المفكرة داخل المؤسسة الكنسية الارثوذكسية الروسية ومن خارج المؤسسة الدينية من المتعاطفين معها وبشكل خاص من مفكرين وباحثين أمثال: المتروبوليت كيريل، والاسقف فيلاريون والبرلماني سرغي بايوف والاكاديمي ألكسييف والباحث بارنيوف والشخصية الاجتماعية والمؤرخة ناروشنبيتسكايا وغيرهم، فكل هؤلاء، لاهوتيين وغير لاهوتيين يقفون علانية ضد محاولة إبعاد الدين عن الدستور الاوروبي الجديد. لأنهم يرون في ذلك محاولة سرقة لا بل قتل الروح الاوروبية نفسها، وهم يعيبون على العلمويين الذين يتبنون مقولة "حين تبدأ الحرية الدينية، ينتهي الحديث عن حقوق الانسان" ويعتبرون ذلك خرقاً واضحاً لحرية الرأي والمعتقد.
تبدو المقاربة الدينية وكأنها أقالت عقلها من حركية التواصل الخلاق مع متغيرات المعرفة والعلوم والانظمة الحضارية، في حين تحصر المقاربة العلمانية نفسها في البعد الدهري والواقعي، دون أن تكمله بالبعد الروحي وبعالم القيم الروحية التي تحضر بقوة في المقاربة الدينية، تلك التي تفتح مساحات واسعة من الرجاء والامل في الحياة الابدية. والصراع بين المقاربات والتأويلات لا يؤدي الا الى مزيد من الشرخ والهوة بين الروس أنفسهم والبشر عامة.
والجهود الانسانية العلمانية والدينية مدعوة لمقاربة أكثر شمولية لحقوق الانسان ولنشاطه المادي الروحي. فاحترام كل خيار للآخر هو نقطة البداية. فالمرجو ليس عسكرة كل طرف ضمن جدران عقيدته وكاتدرائيات تصوراته الزمنية والازلية، بل الانضمام معاً على مدار واحد هاجسه تحسين ظروف حياة الانسان في عالم دنياه والسعي الى ارتقائه العقلي والروحي. المطلوب هو هدم الهوة بين التاريخي والميتاتاريخي. بين المادي والروحي، بين الزمني والابدي ولا حل معقول الا بأن يتوجه كل طرف الى ملاقاة الآخر على اساس الحوار المنفتح الواقعي والخلاق. ليس هذا مرده وهاجسه فقط تعميم المعرفة، الانسانية الشاملة لحقوق الانسان ولضرورة الدفاع عنها وتطبيقاتها بشكل متساو لجميع أبناء البشر، بل ايضاً للتناغم الخلاق بين الارضي والسماوي.

نقلاً عن موقع "الجمل"، المصدر: "النهار"
"
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://philo-ethique.alafdal.net
 
حقوق الإنسان بين المقاربة الدينية والمقاربة العلمانية د . سهيل فرح الجزءاالأخير
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» حقوق الإنسان بين المقاربة الدينية والمقاربة العلمانية د . سهيل فرح الجزءالثاني
» حقوق الإنسان بين المقاربة الدينية والمقاربة العلمانية د . سهيل فرح الجزء الأول
» مشكلة الاخلاق الدينية ؟؟؟؟
» الرد عى موضوع مشكلة الأخلاق الدينية
» كيف نجمع بين تجديد الإيمان وإرواء العقل؟ سهيل فرح الجزء الثاني

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
فلسفة الأخلاق :: إعلانات و أنشطة مشروع فلسفة الأخلاق :: المنشورات :: دراسات الدكتور سهيل فرح-
انتقل الى: