التأطير الجامعي للبحوث و عوائقه : الجزء الثالث ـ الدكتور صايم عبد الحكيم

3 ـ ثقافة الإشراف و المتابعة العلمية للبحوث :
في(رؤية إسلامية) ينقل لنا الأستاذ زكي نجيب محمود حوار بين شاعر و أمير، فقال الشاعر :
فإذا كنت ذا رأي ، فكن ذا تدبر فان فساد الرأي أن تتعجلا
فرد الأمير :
إذا كنت ذا رأي ، فكن ذا عزيمة فان فساد الرأي أن تترددا
ونحن نرى أن هذين الموقفين ينظمان ثقافة الإشراف لأن الموقف الأول ، يدعونا إلى تأمل الموضوع و عدم التسرع في القرار ، و الموقف الثاني يحفزنا للإقدام على العمل بلا تردد أو شكوك ، والباحث في الدراسات العليا يعيش هذه الحيرة المعرفية ، ولهذا فهو في حا جة إلى من يساعده في تقليص مساحة الصراع النفسي بين الرأيين ، وكأن قواعد المنهج الديكارتية تحضر لتوجيهه نحو أفضل الطرق في إعداد البحث.
إن أدبيات البحث العلمي نادرا ما تحدثنا على الأستاذ المشرف لأن التشريعات في الجامعة التاسوعية تقيد دوره العلمي، في حين يذكر لنا الأستاذ أحمد شلبي من خلال تجاربه في جامعات إنجلترا أن سلطته العلمية أقوى من القرار الإداري ، ويروي لنا مثال الطالب الذي قدم طلب التسجيل في قسم الدراسات العليا بجامعة لندن " فقرر الأستاذ أن صلاحيته لتحضير رسالة الماجستير تتوقف على نجاحه على إمتحان حدده له ، ثم غيّر الأستاذ رأيه في الطالب بعد بضعة شهور أثبت الطالب خلالها كفاءته فطلب الأستاذ منه سحب أوراقه و تقديمها من جديد ، وكان القرار الثاني أن الطالب صالح للدكتوراه و بدون أي إمتحان مؤهل."(14) قد لا نصل في بلادنا إلى هذا المستوى من الثقة العلمية ، لأن ثقافة التشكيك في وجودنا بحجة أخطاء الأخرين ، تخول لحامل الدبلوم أو الشهادة بحجة القانون و عدم إجتهاد المجلس العلمي ، المشاركة في مسابقة الدراسات العليا رغم أن تكوينه لا يحمل ثقافة مشروع الباحث ، وقد ينجح بخبرة التدريس أو أي نشاط عملي قريب من تكوينه ، ولكنه لن يكون باحثا متميزا حتى و إن بلغ أرقى الدرجات العلمية ، لأن واقع تأطير البحوث يِِِِؤكد أن الإشراف ألإداري هو أقوى من المتابعة العلمية ، و في هذا السياق نعود إلى قصة الأستاذ أحمد شلبي مع أستاذه المشرف من أجل معرفة قيمة التواصل المعرفي للبحث ، حيث يقول : " أتحدث بكثير من الفخار و الإعتزاز عن أستاذي بروفسور آرثر آربري أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة كمبرج ، فقد نظم لي مقابلة أسبوعية طوال مدة تحضيري للدكتوراه في هذه الجامعة.. وكان لقائي به بعد ظهر يوم الخميس ، فاذا تعذر هذا الموعد لطارىء أجل لليوم التالي أو الذي بعده ، ولكنه ما كان يلغى قط ..."(15) في هذه العلاقة بين الباحث والمشرف نجد كثيرا من القيم العلمية ، قد تعود إلى تاريخ تأسيس جامعة كمبرج عام 1209م ، أو إلى شخصية الأستاذ التي لا تفصل بين الأخلاق و العلم ، و بهذا الأسلوب يمكن ان نحي القيم الإسلامية التي تحرم السرقة العلمية ، قبل أن نتحدث عن حقوق التأليف و الإلتزام الأكاديمي بين النقل الحرفي و النقل بالمعنى و العمل بقاعدة "من سرق و إسترق فقد إستحق ".

المراجع

1 ـ أحمد شلبي ، كيف تكتب بحثا أو رسالة ـ دراسة منهجية ـ مكتبة النهضة المصرية ، القاهرة ، الطبعة الحادي و العشرون 1992 ص : 15
2 ـ المرجع نفسه ، ص : 15- 16
3 ـ المرجع نفسه ، ص : 16
4 ـ المرجع نفسه ، ص : 17
5 ـ المرجع نفسه ، ص : 19
6 ـ فاطمة عوض صابر ـ مرفيت علي خفاجة ، أسس ومبادئ البحث العلمي ـ مكتبة و مطبعة الإشعاع الفني ، إسكندرية ، الطبعة الأولى 2002 ص : 29
7 ـ مجموعة من الباحثين ، دليل الباحث ـ دار المريخ للنشر، الرياض 1988 ص : 24
8 ـ عبد القادر الشيخلي ، البحث العلمي بين الحرية والمؤسسية ـ دارمجدلاوي للنشر والتوزيع ، عمان ، الطبعة الأولى 2001 ص : 35
9 ـ المرجع نفسه ، ص :35 ـ 36
10 ـ فاطمة عوض صابر ـ مرفيت علي خفاجة ، المرجع نفسه ، ص :25
11 ـ عبد الفتاح خضر، أزمة البحث العلمي في العالم العربي ، مكتب صلاح الحجيلات ، الرياض ، الطبعة الثالثة 1992 ص : 29 ـ 30
12 ـ المرجع نفسه ، ص :39
13 ـ سعد الدين السيد صالح ، البحث العلمي و مناهجه النظرية(رؤية إسلامية) مكتبة الصحابة ، جدة ـ مكتب التابعين، القاهرة ، الطبعة الثانية 1993 ص :28
14 ـ أحمد شلبي ، المرجع نفسه ، ص : 31
15 ـ المرجع نفسه ، ص : 33-34