فلسفة الأخلاق
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

فلسفة الأخلاق

التسامح والمواطنة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 اي دم كتب التاريخ العربي حازوم خيري ج 2

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 82
نقاط التمييز : 56084
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 07/01/2009

اي دم كتب التاريخ العربي حازوم خيري ج 2 Empty
مُساهمةموضوع: اي دم كتب التاريخ العربي حازوم خيري ج 2   اي دم كتب التاريخ العربي حازوم خيري ج 2 I_icon_minitimeالجمعة مايو 20, 2011 1:51 pm

"السبتمبريون" وتغيير الأنظمة العربية:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



عقب انتهاء الحرب الباردة بدا أن التطرف من المنظور الأمريكي لم يعد صنوين، اليسار والحركات الشيوعية، بل أصبح مُرتبطاً بشكل أكبر وتدريجي ببعض قوى الاسلام السياسي التى خرجت من أفغانستان بعد انتهاء الحرب بها بالانسحاب السوفيتي منها عام 1989 لتبحث عن ميادين أخرى لحروبها المقدسة وبثقة كبيرة في النفس وإحساس بالانتصار، وبشكل متزايد. ولما سبق ذكره من أسباب ـ وغيرها ـ، بدأت هذه القوى تركز سهامها على أمريكا منذ محاولة الاعتداء على مركز التجارة العالمي في نيويورك في عام 1993 ومروراً بالهجوم على السفارتين الأمريكيتين بنيروبي ودار السلام عام 1998 وصولاً إلى ضربات في مدينة نيويورك أيضاً، والهجوم على البنتاجون بواشنطن في سبتمبر2001.



ولكن، ومع ذلك، بقي البعد الراديكالي القومي في معادلة ما تسميه واشنطن بقوى التطرف، سواء تمثل ـ في مراحل ـ في الأنظمة الحاكمة في ليبيا والعراق وسوريا(والأخيرتان مرتبطين في الذهنية السياسية الأمريكية الغالبة بعداء مُفترض لحزب البعث تجاه الولايات المتحدة)، أو في شكل تنظيمات سياسية مثل التنظيمات الفلسطينية اليسارية والقومية. كما بدا قلق واشنطن تجاه تحالفات عبر خطوط التماس الأيديولوجية بين حكومات وتنظيمات مثل ما تعتبره محوراً سورياً وإيرانياً، يشمل أيضاً حزب الله اللبناني وتنظيمات فلسطينية مثل حماس والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجهاد الاسلامي وغيرهم! هذا التطرف، برأي الولايات المتحدة الأمريكية، يهدد إمدادات الطاقة والنفط إليها وإلى حلفائها الغربيين، كما أنه يشكل خطراً على أمن إسرائيل ووجودها وتميزها في المنطقة، بالاضافة إلى خطره على الاستقرار، والأنظمة القريبة من أو المُتحالفة مع أمريكا بالمنطقة!



ربما يعتقد البعض أن هدف [الحرب ضد الارهاب]، حديث نسبياً، وتحديداً أتى عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، ولكن الحقيقة خلاف ذلك(28)، فالولايات المتحدة الأمريكية كانت ترمي بالارهاب تنظيمات فلسطينية ولبنانية ويسارية وقومية، قبل عقود من هجمات 11سبتمبر، بسبب قيام بعض التنظيمات بخطف طائرات في عقدي السبعينيات من القرن العشرين من القرن الماضي والثمانينيات من القرن الماضي، كما أن الخارجية الأمريكية تُصدر قائمة سنوية بأسماء التنظيمات التى تعتبرها إرهابية وأخرى بأسماء الدول التى تتهمها برعاية الارهاب. والقائمتان تضمان دولاً ومنظمات غير إسلامية، أساساً يسارية، وإن كان عدد هؤلاء بات في تناقص عبر السنوات الأخيرة، خاصة بعد 11/9(29)! ولشد ما تحظى هجمات 11سبتمبر بخصوصية شديدة واهمية استثنائية، في التاريخين العالمي بصفة عامة، والعربي والاسلامي خاصة، من نواحٍ عديدة:



[1] من ناحية "شراسة" الهجمات ورمزيتها:



من تقرير اللجنة الوطنية الأمريكية الخاص بهجمات الحادي عشر من سبتمبر، نعلم أن أسامة بن لادن(سعودي) وأيمن الظواهري(مصري) أصدرا من مقريهما بأفغانستان في فبراير 1998 فتوى باسم الجبهة الإسلامية العالمية، أكدا فيها إعلان الولايات المتحدة الحرب على الله ورسوله، وطالبا المسلمين بقتل الأمريكيين في شتى أنحاء المعمورة، واعتبرا ذلك فريضة إسلامية. وطبقا للتقرير، لم تفرق الفتوى بين العسكريين والمدنيين، فكلاهما إرهابي، وكلاهما هدف مشروع لأبناء الأمة الإسلامية. ولم تكن تلك الفتوى الأولى لاسامة بن لادن، فقد صدرت عنه فتاوى عديدة مماثلة، أكد التقرير إباحتها لدماء الأمريكيين(30).



ومن ذلك فتواه الصادرة في أغسطس عام 1996، والتي طالب فيها المسلمين بطرد الجنود الأمريكيين من الأراضي المقدسة في المملكة العربية السعودية، إلى جانب إشادته بالهجمات التي استهدفت المصالح العسكرية الأمريكية في السعودية، وبـــيروت(عــام1983)، وعــدن(عـام1992)، والصومــال(عام 1993). فقد اعتبر بن لادن الانسحاب الأمريكي من الصومال هزيمة ساحقة للأمريكيين، حالت دون نهوض أتباعه بفريضة الجهاد هناك، على النحو الذي حدث في أفغانستان. وكذلك تطرق التقرير الأمريكي لأهمية التجربة الأفغانية في صياغة فكر بن لادن وأتباعه(31)، فقد وصل بن لادن إلى أفغانستان وعمره لم يتجاوز الثالثة والعشرين عاماً، وتمكن بفضل قدراته وثروة أسرته الطائلة من تقديم كثير من الدعم للمقاومة الأفغانية ضد القوات السوفيتية. وبالفعل نجح هو وأتباعه في دعم القدرة القتالية للمقاتلين الأفغان، إلى أن أعلنت موسكو في أبريل 1988 اعتزامها سحب قواتها العسكرية من أفغانستان خلال 9شهور.



حينئذ، سعى بن لادن وعبد الله عزام(فلسطيني) لتثمين الخبرات القتالية المتوفرة لدى أتباعهما. وبالفعل أسسا تنظيم القاعدة، للاضطلاع بالمهام القتالية في شتى أنحاء المعمورة. وبرغم إبداء عزام رغبته في توجيه قدرات القاعدة للمساعدة في إقامة حكومة إسلامية في أفغانستان، ثم تحرير فلسطين في مرحلة لاحقة، نجح بن لادن في تغليب رؤيته الخاصة بتجهيز أتباعه للجهاد في شتى أنحاء المعمورة. وباغتيال عزام في 24 نوفمبر 1989، أضحى بن لادن زعيماً منفرداً لتنظيم القاعدة. ومنذ ذلك الحين عمد لدعم الجهاد الإسلامي ـ طبقاً لرؤيته ـ في مختلف أرجاء الأرض. ومن ذلك نشاطاته الواسعة في السودان، إبان مشاركة الترابي.



وطبقاً للتقرير نفسه، استند تنظيم القاعدة بصورة ملموسة إلى الأتباع من مختلف الدول العربية، وهو ما بدا واضحاً في تشكيل المجموعات التي اضطلعت بتخطيط وتنفيذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر ضد أهداف أمريكية، حيث حمل أعضاء تلك المجموعات جنسيات عربية مختلفة، فضلاً عن اضطلاع خالد شيخ محمد بالتخطيط لتلك الهجمات، فبرغم انتمائه لأصول عرقية غير عربية، إلا أنه نشأ وتربى في الكويت، وانتمى لجماعة الإخوان المسلمين في السادسة عشر من عمره. وفى الولايات المتحدة الأمريكية، حصل على مؤهله الجامعي في الهندسة الميكانيكية في ديسمبر 1986. ومنذ ذلك الحين ، بدأت رحلته التي قادته إلى التخطيط لهجمات سبتمبر 2001. ففي أحد لقاءاته مع بن لادن، عرض خالد عليه فكرة تدريب مجموعة من الطيارين للقيام بتفجير مبانٍ داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وبالفعل لاقى الاقتراح استحسان بن لادن، وحصل خالد على الضوء الأخضر لبدء التجهيز لعملية 11/9 في أواخر عام 1998، أو أوائل 1999.

ولم يلبث خالد أن انتقل إلى قندهار للعمل مع تنظيم القاعدة عن كثب، تلبية لدعوة بن لادن، حيث تمت مناقشة الخطة عدة مرات مع أسامة بن لادن، وتم كذلك تحديد الأهداف الأمريكية المطلوب تدميرها بواسطة الطائرات المخطوفة، علاوة على تحديد العناصر المنوط بها تنفيذ العملية، والتي جرى حصرها في التقرير الأمريكي، على النحو التالي: 1ـ محمد عطا(مصري) 2ـ وليد الشهري(سعودي) 3ـ وائل الشهري(سعودي) 4ـ سطام السقامى(سعودي) 5ـ عبد العزيز العمرى(سعودي) 6ـ هاني حنجور(سعودي) 7ـ نواف الحزمى(سعودي) 8ـ خالد المحضار(سعودي) 9ـ ماجد موقد(سعودي) 10ـ سالم الحزمى(سعودي) 11ـ مروان الشيحى (إماراتي) 12ـ فايز أحمد(الامارات) 13ـ أحمد الغامدى(سعودي) 14ـ حمزة الغامدى(سعودي) 15ـ مهند الشهري(سعودي) 16ـ زياد جراحي (لبناني) 17ـ سعيد الغامدى(سعودي) 18ـ احمد الحزناوى(سعودي) 19ـ أحمد النعمى( سعودي).



وبالإضافة لنهوضه بعبء توفير العناصر البشرية اللازمة لتنفيذ هجمات سبتمبر، تحمل تنظيم القاعدة ـ بحسب التقرير ـ تكاليف العملية التي تراوحت بين 400000 و 500000 دولار أمريكي. وبحلول الحادي عشر من سبتمبر 2001، نُفذت الخطة الموضوعة في وضح النهار، حيث اقتحمت الطائرات المخطوفة، بركابها، برجي مركز التجارة العالمي بنيويورك، ومبنى وزارة الدفاع "البنتاجون" بواشنطن، وهو ما أسفر عن إزهاق آلاف الأرواح في دقائق معدودة، وتدمير البرجين تدميراً كاملاً، فضلا عن تدمير جزء من مبنى وزارة الدفاع.



الولايات المتحدة لم تلبث أن أعلنت أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر إعلان صريح للحرب عليها! وهو ما يُعضد زعمنا بتفرد هذه الهجمات ورمزيتها، فقد قام بها "السبتمبريون"، وهم مجموعة من الشباب الثائر، جاءوا من دول عربية مختلفة، ينتمون لتنظيم اسلامي هو "القاعدة"، ويحملون في صدورهم عداءً شديداً للغرب! ساءهم أن يصون الغربيون، بزعامة الولايات المتحدة "المُهيمنة"، الأنظمة العربية والتى هي برأيهم لااسلامية ظالمة، لا دين للقائمين عليها سوى المصلحة، ولا سند لهم إلا الغرب! رسالة "قوية" كهذه، لم يكن لرمزيتها الواضحة أن تخفى على الغربيين، خاصة وأنهم يعرفون عن أوطاننا أكثر مما يُسمح لنا أن نعرف!



"الرسالة الرمزية"، عادة ما تقف وحدها أمام المُتلقي لها! وهو ما يُفسر التباين الحاد في ردود الأفعال على رسالة من هذه النوعية، كون الأمر يتوقف، إلى حد كبير، على وعي المُتلقي، ومدى عبقريته في استنطاق "الرمز" المُرسل!



والتالي مُحاكاة "مُتخيلة"، في سياق النسيج الحضاري العام، لما يمكن أن يتمخض عنه الاستنطاق الأمريكي المصلحي لرسالة السبتمبريين "اليائسة"(32):



· الرسالة قادمة من أفغانستان "يثرب الجديدة"، والراسلون هم الأفغان العرب "المُهاجرون الجدد" الذين فروا بدينهم من العالم العربي موطنهم الأصلي!



· الرسالة تُمثل قوى الاسلام السياسي، على اختلاف أطيافها!! فعادة ما يتركز الخلاف الجوهري بين هذه القوى المُتلاسنة، حول مسألة مشروعية أو عدم مشروعية مُناهضة الأوضاع القائمة والعمل على تغييرها الجذري بالقوة!



· الرسالة تُنبه بقوة إلى انتهاء صلاحية الأنظمة العربية "القمعية" في دولة "ما بعد الاستعمار"! من ناحية قدرتها على احتواء قوى الاسلام السياسي ـ "ترهيباً" أو "ترغيباً" ـ، ومن ناحية قدرتها على صيانة المصالح الغربية!



· الرسالة تُحذر من خطورة التمادي الاسرائيلي في استهداف وتهميش قوى الاسلام السياسي في فلسطين، على نحو ما هو حاصل في البلاد العربية!



· الرسالة تؤكد قدرة فائقة وغير مسبوقة على اختراق العمق الغربي! وتنبه إلى خطورة تواجد قيادات وكوادر من قوى الاسلام السياسي في الغرب!



· الرسالة تستعرض على نحو عبقري "قوة الضعف"! فأصحابها يستهينون، بل ويتحدون في جرأة "مُذهلة"، عدم التكافؤ "الهائل" في القوة، بينهم وبين حكومات العالم الغربي! كما أن الرسالة تستعرض اصرار وعناد أصحابها، وقدرتهم على المُناورة واستخدام العنف الشديد، دون دول أو أنظمة، يُمكن الثأر منها! وباستخدام أحدث ما أنتجته الحضارة الغربية من "تكنولوجيا"!



· الرسالة تُلوح بكبرياء المسلمين الجريح! وفي هذا استدعاء لفكرة "الخلافة الاسلامية"، وتأكيد لتصور الغرب عن تشبع نسيج الاسلام بروح حربية!



· الرسالة تضع الغرب أمام خيارين: إما مواجهة هجمات "بالغة العنف"، ضد المصالح الغربية في كل مكان، وإما الاعتراف بقوى الاسلام السياسي والسعي لدمجها في الأنظمة السياسية في العالمين العربي والاسلامي! ففي توقيت متقارب مع دخول تنظيم "القاعدة" في ما يسمى "الجبهة العالمية لقتال الصليبيين واليهود والأمريكان" عام 1998! وهو ما يعتبره الخبراء في مجال الارهاب نقطة الانطلاق على طريق هجمات 11/9! فاجئت الجماعة الاسلامية الجميع بمبادرتها عام 1997 والتى أقرها عمر عبد الرحمن من محبسه في الولايات المتحدة الأمريكية، بوقف كل العمليات المسلحة داخل مصر وخارجها، ووقف البيانات الاعلامية المحرضة عليها، علاوة على ابداء الجماعة رغبتها المُلحة في الاندماج في العمل السياسي السلمي، على نحو ما تُطالب جماعة الاخوان منذ سنوات! ففي مارس 1994، وعقب دعوة مبارك للحوار الوطني، وقبل أن تصدر قرارات مؤتمر الحوار أصدر الاخوان أول وثيقة منذ سنوات طويلة تعبر عن رأيهم في الشورى وتعدد الأحزاب، أكدوا فيها أن الأمة مصدر السلطات وأن الشورى لا تختلف في أهدافها عن الديمقراطية، وأن اختلاف الآراء هو تكامل وتنوع للنظر لابد منه لاستجلاء الحق والوصول إلى الأًصلح والأرجى في المنفعة، خصوصاً إذا اقترن هذا بالتسامح وسعة الأفق والبعد عن التعصب وضيق النظرة، كما أكدوا في هذه الوثيقة أن الشرع ترك الباب مفتوحاً للمسلمين فيما يدخل في إطار تنظيم المباح. وبعد عرض هذه الأفكار، تقول الوثيقة: "لذا فإننا نؤمن بتعدد الأحزاب في المجتمع الاسلامي، وأنه لا حاجة لأن تضع السلطة قيوداً من جانبها على تكوين ونشاط الجماعات أو الأحزاب السياسية، وإنما يُترك لكل فئة أن تعلن ما تدعو إليه وتوضح منهجها ما دامت الشريعة الاسلامية هي الدستور الأسمى..كما اننا نرى أن قبول تعدد الأحزاب في المجتمع الاسلامي يتضمن قبول تداول السلطة بين الجماعات والأحزاب السياسية وذلك عن طريق انتخابات دورية".



[2] من ناحية الاذعان الغربي لرسالة "السبتمبريين":



[ناس تخاف ما تختشيش]، لشد ما ينطبق هذا المثل المصري "العبقري" على الغرب! فعلى خلفية رسالة "السبتمبريين" الممهورة بدمائهم، بات واضحاً أمام صُناع السياسة في العالم الغربي ـ وبخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية ـ أن ثمة احباطات مكبوتة شديد التأزم في وجدان الشارع العربي، لم يعد مُمكناً السكوت عنها! وأن الغربيين أنفسهم لم يعودوا بمنآى عن التداعيات بالغة العنف لهذه الاحباطات، من جراء تورطهم، المُعلن أو حتى المُستتر، مع الأنظمة المناهضة لقوى الاسلام السياسي في دولة "ما بعد الاستعمار"! بات واضحاً أمامهم أن ابقائهم على هذه الأنطمة القمعية الفاقدة للشعبية، يحتاج لاعادة تقييم، على نحو عاجل وجذري، لتلافي المزيد من الهجمات على المصالح الغربية في كل مكان!



أمارات عديدة تعضد زعمي بالاذعان الغربي لرسالة السبتمبريين، أبرزها:



· ما ورد في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الصادرة عن البيت الأبيض في سبتمبر 2002، والتى تُعد بحق إحدى أهم الوثائق الأمريكية الصادرة بعد هجمات 11سبتمبر، فقد أعاد الأمريكيون خلالها صياغة رؤيتهم للعالم ولمنطقتنا، باعتبار أن عالم "ما بعد11سبتمبر" يختلف عن عالم "ما قبل11سبتمبر". أهمية هذه الوثيقة، بالنسبة لنا كعرب، تنبع من إعادة صياغتها لرؤية الولايات المتحدة لمقدراتنا. فقد أطاحت بالمبادئ التي دأبت الولايات المتحدة على الأخذ بها في تعاطيها مع قضايانا، بكافة مستوياتها، واستبدلت بها مبادئ أخرى، قد تُمكن حال الالتزام بها وعدم الالتفاف عليها لمناهضة الاستبداد في ربوعنا الطيبة. فلأول مرة تُعلي الولايات المتحدة قيم الديمقراطية، وحقوق الإنسان، في خطابها المُوجه لمجتمعاتنا، على خلاف دعمها "التاريخي" لحكوماتنا القمعية، ومساندتها لها في قبضتها الحديدية، وفي تكريسها الصارم لغياب الحرية، وللاستقلال الزائف! والتالي إيجاز لأهم المبادئ الحاكمة للاستراتيجية الأمريكية، إزاء أوطاننا(33):



1. ضرورة إعلاء الكرامة الإنسانية للإنسان العربي، فالتمتع بالحرية والعدالة حق مشروع له ولغيره. ولم يعد مقبولاً إعفاء أمة بعينها من الالتزام باحترام كرامة أبنائها. فكل أب وأم يطمحان لتزويد ذريتهما بحظ وافر من التعليم والمال والأمان. وتلك حقوق مشروعة، فليس هناك على وجه الأرض من يطمح لأن يقمع أو يسترق أو يُروع بزوار الفجر. والولايات المتحدة ملزمة بتثمين تلك الحقوق في علاقاتها مع دول العالم المختلفة.



2. ضرورة الجدية العربية في مكافحة الإرهاب، ففي حربها الضروس ضد الإرهاب في شتى أنحاء المعمورة سترسى الولايات المتحدة مبدأ السيادة المشروطة. أو بعبارة أخرى، لن تفرق الولايات المتحدة بين الإرهابيين والدول التي تمدهم بالمأوى أو المساعدة، فكلاهما هدف مشروع في الحرب ضد الإرهاب العالمي. ولن يحول حائل بين الولايات المتحدة الأمريكية وتعقب أولئك الإرهابيين أينما حلوا.



3. ضرورة استمرار تدفق النفط العربي، فالولايات المتحدة وحلفاؤها يتوقعون من الدول النفطية العمل الدءوب على توفير الاحتياجات العالمية من النفط، خاصة لها ولحلفائها. باعتبار النفط أحد أهم مصادر الطاقة المتاحة، إلى جانب ارتباطه المباشر بالحياة الاقتصادية والصناعية للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها. هذا إلى جانب حرص الولايات المتحدة على العمل مع الحلفاء والشركاء التجاريين لتنمية وتطوير مصادر أخرى أنظف للطاقة.



4. ضرورة الانخراط الأمريكي في جهود فض الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، مع مراعاة مبدأين مهمين، كما هو الحال مع أي صراع إقليمي آخر. الأول، السعي الأمريكي لبناء علاقات ومؤسسات دولية قادرة على المساعدة في إدارة الأزمات المحلية فور بزوغها. الثاني، التحرك الأمريكي بقوة لمساعدة من يرغبون في مساعدة أنفسهم. مع التزام الولايات المتحدة بمساندة إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية، تعيش في سلام وأمن جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل. فالفلسطينيون كأي شعب آخر، يحق لهم التمتع بحكومة ترعى مصالحهم وتستمع لأصواتهم. وفى حالة انصياعهم للديمقراطية وحكم القانون وتصديهم للفساد والإرهاب، يمكنهم الاعتماد على المساندة الأمريكية لإقامة دولة فلسطين. وفيما يخص الإسرائيليين، عليهم تطوير علاقتهم بالفلسطينيين تبعاً للتقدم المحرز في الموقف الأمني، وإيقاف الأنشطة الاستيطانية في الأراضي المحتلة، ومساندة قيام دولة فلسطينية مستقلة.



· تحرك إدارة بوش(الابن) نحو احداث تغيير جذري في الأنظمة العربية ـ بدءاً بالعراق، على أمل جعله نموذجاً يُغري بقية دول المنطقة بمحاكاته ـ، وبرغم ما اشتُهر عن هذا التحرك العنيف وعن صاحبه من اخفاق، يُظل برأيي دليلاً على تفهم الغرب لرسالة السبتمبريين، وخطورة استمرار عدم احتواء وقمع قوى الاسلام السياسي في الأنطمة العربية! يُفهم ذلك من نقد أولبرايت لاخفاق بوش في ترجمة استرتيجية بلاده لواقع، ومن عدم رفضها للاستراتيجية نفسها(34):



"اعتقد جورج دبليو بوش أن لديه نهجاً أفضل(من سلفه كلينتون). فازدرى القادة الفلسطينيين، ولم يكتف باحتواء صدام حسين فحسب، بل باشر ـ مُقتنعاً بأن القوة الأمريكية تستطيع إقامة الديمقراطية على الفور ـ بتنفيذ خطة أحادية لتحويل الشرق الأوسط بأكمله. وبذلك العمل أحال الهيكل الأمني غير المثالي إلى حطام.



"في الشرق الأوسط، يشكل تأثير كرة البلياردو في الشئون الدولية خطراً كبيراً. فالكرات لا تصطدم الواحدة بالأخرى فحسب، بل عند ضربها بقوة كافية، تنفجر وتُشعل الكرات الأخرى إذا التقت بشكل خاطيء. ومن ثم تحلل غزو العراق إلى حرب أهلية مُتعددة الأطراف، فاقمت التوتر بين المسلمين السنة والشيعة، وزادت نفوذ ايران، وأوصلت تركيا إلى شفير نزاع مع الأكراد العراقيين، ومنحت "القاعدة" حياة جديدة. انقلب الرأي العام في أماكن كثيرة من العالم ضد الولايات المتحدة، في حين احتل القادة الذين يتحدون الولايات المتحدة(واسرائيل) بشكل مباشر قوائم الأكثر شعبية في أوساط المسلمين. وقد حاولت إدارة بوش متأخرة أن تبطل الضرر بالهبوط بالمظلة على النزاع العربي الاسرائيلي لتجد إطار العمل الذى دعم ذات يوم عملية السلام بحاجة إلى اعادة بناء من الصفر.



"لقد قامت البراعة الأمريكية في التعامل مع مخاطر القرن العشرين على دعامتين: القيادة الأمريكية والمشاركة التامة لشركائنا في الحلف. ولن نستعيد موقعنا في الشرق الأوسط والخليج إلا إذا وضعنا أولاً جدول أعمال يدعمه حلفاؤنا ويمكن التوفيق بينه وبين احتياجات البلدان الرئيسية الأخرى. وحتى عندئذ سنكون في نقطة البداية، إذ علينا استعادة ثقة الموجودين في المنطقة. ولكسب تلك الثقة، علينا أن نحسن فهم ما يريده الشعب في الشرق الأوسط، ولماذا يقومون به. لن نستطيع إقناع أحد إذا لم ننجح في فهم رأيهم بأنفسهم وبنا"!!



· تعامي الساسة الغربيين ـ أمثال أولبرايت وغيرها ـ عن دور بلادهم "الانتهازي"، في الابقاء على أنظمة دولة "ما بعد الاستعمار"، رغم ما دأبت عليه هذه الأنظمة وما اشتُهر عنها من تجفيف منهجي لمنابع الحرية في أوطانها، وجعلها مواتية لتفريخ العنف، وقمع وحشي لقوى الاسلام السياسي! كل هذا يُعزز بقوة زعمنا بوقوف الهلع الغربي من عنف الاسلاميين، والرغبة في احتوائهم، وراء التخلي الغربي، المُحير للبعض، عن الأنظمة العربية "الموروثة"! ولو أن جرائم السيد بوش ـ كما تسميه أولبرايت(35) ـ، جرت في جنح الظلام، ولم يتنبه أحد إليها، ما وجدنا أولبرايت أوغيرها، يوبخون بوش على هذا النحو العلني!



· مُضي بوش قُدماً في ترجمة استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة إلى واقع، رغم الخسائر الأمريكية في العراق، يشي باصرار أمريكي واضح على عدم تجاهل رسالة "السبتمبريين"! يبدو ذلك واضحاً في وثائق أمريكية عديدة، في مقدمتها مشروع "الشرق الأوسط الكبير"، كما طرحته الولايات المتحدة على مجموعة الدول الصناعية الثماني، لبلورة موقف موحد تجاهه خلال قمة المجموعة! صحيفة الحياة اللندنية نشرت في فبراير 2004 نص المشروع، والتالي فقرات من المقدمة، تشي بهلع غربي واضح من احباطات مكبوته(36):



"يمثل [الشرق الأوسط الكبير] تحدياً وفرصة فريدة للمجتمع الدولي، وساهمت النواقص الثلاثة التي حددها الكتاب العرب لتقريري الأمم المتحدة حول التنمية البشرية العربية للعامين 2002، 2003: الحرية، والمعرفة، وتمكين النساء، في خلق الظروف التي تهدد المصالح الوطنية لكل أعضاء مجموعة الثمانية الكبار.



"وطالما تزايد عدد الأفراد المحرومين من حقوقهم السياسية والاقتصادية في المنطقة، سنشهد زيادة في التطرف والإرهاب والجريمة الدولية والهجرة غير المشروعة. إن الإحصائيات التي تصف الوضع الحالي في [الشرق الأوسط الكبير] مروعة ـ ذكر النص المنشور للمشروع بعضها ـ!



"وتعكس هذه الإحصائيات أن المنطقة تقف عند مفترق طرق. ويمكن للشرق الأوسط الكبير أن يستمر على المسار ذاته، ليضيف كل عام المزيد من الشباب المفتقرين إلى مستويات لائقة من العمل والتعليم والمحرومين من حقوقهم السياسية. وسيمثل ذلك تهديداً مباشراً لاستقرار المنطقة، وللمصالح المشتركة لأعضاء مجموعة الثماني"!



· أمارة أخرى شديدة الوضوح تعضد زعمنا بالهلع الغربي من الارهاب الخارج من منطقتنا والادراك الأمريكي لوقوف الأوضاع العربية وراء تفريخه! إنها وثيقة "تخطيط المستقبل الكوني" التى أصدرها مجلس المخابرات القومي الأمريكي عام 2004(37)، والتى بُنيت في جزء منها على مشاورات متعددة مع خبراء المنظمات غير الحكومية حول العالم. ففي فقرة شديدة الارتباط بحضارتنا وعالمنا العربي، عنوانها "انتشار الشعور بعدم الأمن"، ذهبت الوثيقة إلى أن الارهاب والصراعات الداخلية في الدول يمكن أن تؤدي إلى اضطراب في مسيرة العولمة، وذلك من خلال زيادة تكاليف توفير الأمان للتجارة الدولية التى قد تنجم عن زيادة القوات الخاصة بحراسة الحدود، والتأثير السالب على أسواق الائتمان. ومن واقع استطلاعها لآراء الخبراء في مجال الارهاب، ترى الوثيقة أن غالبية الجماعات الارهابية الدولية سيستمر انتماؤها إلى ما أسمته الاسلام الراديكالي المتشدد. وأن دوائر تأثير هذه الجماعات الاسلامية المتطرفة ستتسع، سواء في داخل الشرق الأوسط أو خارجه، بالاضافة إلى أوروبا الغربية وآسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا! إحياء المشاعر الدينية المتطرفة، فيما ترى الوثيقة، سيصاحب اتجاهات التضامن مع المسلمين في مناطق الصراع، كفلسطين والعراق وكشمير..الخ!



الوثيقة المخابراتية ترى أيضاً انه لو حدث انقلاب اسلامي مُباغت في إحدى بلاد الشرق الأوسط، فإن ذلك سيؤدي إلى انتشار الارهاب في كل المنطقة، مما قد يعطي اليقين لهذه الجماعات بأن حلم استعادة "الخلافة الاسلامية" قابل للتحقيق! وسيساعد على انتشار هذا المد الاسلامي المتطرف الشبكات غير الرسمية من الجمعيات الخيرية الاسلامية والمدارس الاسلامية، والتى يمكن أن تصبح مصدراً لتفريخ عناصر راديكالية. الوثيقة تشير لمؤشرات على أن بعض الحركات الاسلامية المتطرفة والارهابية تطمح إلى الانقلاب على عدد من الحكومات العلمانية، وتأسيس حكومات اسلامية بدلاً منها. ولا شك أن الحركات المُضادة للعولمة، والجماهير المعادية لسياسات أمريكا، يمكن أن تتعاطف، فيما ترى هذه الوثيقة الأمريكية الخطيرة، مع هذه الجماعات الاسلامية المتشددة.



التفتت الوثيقة أيضاً إلى ظاهرة مهمة هي من آثار الثورة الاتصالية وخصوصاً شبكة الانترنت وانتشار استخدام آلية البريد الالكتروني. فقد أدى ذلك في مجال التنظيمات الارهابية إلى عدم حاجتها لبناء جماعات ارهابية مركزية، مما أدى لانتشار الخلايا الارهابية التى تضم عدداً محدوداً من الأشخاص في عديد من البلاد. وبحسب الوثيقة، استطاعت الجماعات الارهابية ببراعة استخدام الفضاء المعلوماتي Cyber Space في الاتصال ونشر ثقافة الارهاب وتبادل المعلومات. وقد تؤدي بعض الصراعات الدولية مثل الاحتلال الأجنبي للعراق بكل آثاره السلبية على الشعب العراق إلى أن تصبح بعض البلاد مثل العراق، أرضاً خصبة لتنمية كوادر الارهابيين الذين يستطيعون الانتقال بارهابهم من بعد.



وطبقاً للوثيقة نفسها، هناك شواهد على أن جماعات من المجاهدين ينتمون إلى جنسيات مختلفة، مستعدون للذهاب إلى أي بلد في العالم "للجهاد" ضد أعداء الاسلام. وهناك أيضاً مخاوف شديدة في البلاد الغربية من احتمال أن يلجأ الارهابيون الذين ينتمون إلى جماعات اسلامية متطرفة لاستخدام السلاح البيولوجي ضد أهداف مُختارة بعناية. وتشير الوثيقة إلى مخاطر تعاون الجماعات الارهابية مع العصابات الاجرامية في دول شتى، وخصوصاً مع تجار المخدرات الدوليون، وعناصر الجريمة المنظمة. وانه إذا أضفنا احتمالات اختراق العصابات الارهابية لشبكات المعلومات في الغرب وتخريبها، فمعنى ذلك أن ما يطلق عليه حرب الشبكات ستضاعف من المخاطر هي والحروب الفضائية Cyber war.



وتنتهي الوثيقة بسيناريو افتراضي، أطلقت عليه "دورة الخوف"، حاول استكشاف ما الذى يمكن أن يحدث لو تزايد انتشار أسلحة الدمار الشامل، وما هي احتياطات الأمن التى يمكن اتخاذها. وإذا كان يمكن للدول أن تكافح تجارة السلاح غير المشروعة، فإن مكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل تبدو بالغة الصعوبة. ومرد ذلك إلى أنه إذا انتشرت أسلحة الدمار الشامل، فإن دولاً متعددة قد ترى ضرورة أن تتسلح بها لتدافع عن أنفسها، وهكذا تزيد دائرة عدم الأمان في العالم.



· وأخيراً هناك الميل الأمريكي "المشروط" للاعتراف بصعود حركة المقاومة الاسلامية(حماس) في فلسطين ـ وهي أبرز قوى الاسلام السياسي وأكثرها شعبية في فلسطين ـ، أولاً، بفوزها في انتخابات المجلس التشريعي في يناير 2006 والتى لم تُشكك الولايات المتحدة الأمريكية في شرعيتها(38)، وثانياً باستيلائها على السلطة في قطاع غزة، بعد عملية الحسم العسكري الناجحة!



في الكتاب الأبيض، الذى صدر عن المكتب الاعلامي لحماس، في نوفمبر 2007، بعنوان: "عملية الحسم في قطاع غزة..اضطرار لا اختيار"، عرضت الحركة تفصيلاً لما اعتبرته استفزازات مقصودة، فرضت عليها خيار الحسم في قطاع غزة! تحدث الكتاب مثلاً عن خطة "دايتون" الأمريكية، والتى خُطط على ما يبدو لتسريبها عن طريق صحيفة أردنية، ومواقع ألكترونية! خطة "دايتون" كشفت عن نوايا أمريكية لدعم واسع للرئاسة الفلسطينية ولفتح على حساب حركة حماس! الكتاب تحدث أيضاً عن "فوضى أمنية منظمة"، وانسحاب لقوات الشرطة الموالية لفتح، واحتجاجات مُسيسة..الخ! حركة حماس، وبحسب ما جاء في كتابها الأبيض عن ملابسات عملية الحسم، دفعتها على ما يبدو يد عارفة بها وبفتح، إلى حسم الموقف في غزة لصالحها من خلال سلسلة من الاستفزازات المنهجية(39)!



[3] من ناحية رداءة التعاطي العربي مع الهجمات:



السبتمبريون "ضحايا" و"جناة"! "ضحايا" لأنهم أبناء دولة "ما بعد الاستعمار"!! فأيمن الظواهري(الرجل الثاني في تنظيم القاعدة) مصري من مواليد عام 1951، وأسامة بن لادن(الرجل الأول في تنظيم القاعدة) سعودي من مواليد عام 1957! الظواهري وابن لادن لم تتفتح أعينهم إلا على أنظمة استبدادية، يبذل القائمون عليها قصارى جهدهم ـ بدعم "خارجي"، مُستتر أحياناً، ومُعلن أحياناً أخرى ـ، في تدجين عقول وقلوب مواطنيهم، عبر تجفيف منابع الحرية أمامهم!



ضحايا لأن الطُغاة في أوطاننا يأتمرون بأوامر السيد الغربي! ألم يكن ابن لادن شاباً عندما جاءت الأوامر لحُكامنا أن ألقوا بشباب بلادكم في آتون حرب طاحنة، ليس دفاعاً عن حرية وإنما دفاعاً عما كان يجهله بن لادن وصحبه(40)! أما كونهم "جناة"، فمرجعه اقدامهم "اللاانساني" على التفتيش في ضمائر البشر ومحاكمتهم على أساس عقائدهم، بل واتخاذهم من هذا ذريعة لازهاق ما تسنى لهم من أرواح بريئة، ناسين أن أكثر الناس ظلماً وخيانة لشعوبهم من المسلمين!



التعاطي العربي مع "السبتمبريين" ورسالتهم الخطيرة لم يأخذ في الاعتبار ـ كالعادة ـ أياً من هذه الأمور! ولشد ما تصدق على مفكرينا مقولة أولبرايت "إن طول النظر أمر نادر عند العرب"! صدقت إمرأة، وخاب فكرنا الاستراتيجي!



أذكر أني وقعت يوماً على كتاب صغير(41)، تحدث صاحبه في مقدمته عن عزمه التأصيل لفكر استراتيجي واعد، يستمد أصوله من حضارتنا الاسلامية العتيقة! وهو ما دفعني لقراءة الكتاب بنهم، وليتني لم افعل! لقد اكتشفت أن الانجاز الوحيد لمؤلف الكتاب، هو اقتراحه استبدال مصطلح "المذخورية" بالاستراتيجية!



من ناحية أخرى، توجد مراكز البحوث العربية الاستراتيجية، وهي على قدر طيب من الأهمية، ليس لما تُخرجه من رؤى استراتيجية نزيهة ومُنظمة، فهي فقيرة من هذه الناحية، ولكن للاطلاع الواسع من جانب العاملين فيها، والمتعاونين معها، على انتاج أبرز مراكز البحوث الاستراتيجية في العالم(42)، فضلاً عن قيام هذه المراكز بترجمة العديد من هذه الاصدارات العالمية، خاصة الغربية.



لم يكن مُمكناً ـ وفكرنا الاستراتيجي على هذا القدر من التواضع ـ أن يفلت التعاطي العربي مع هجمات سبتمبر وتداعياتها من الرداءة! لنتأمل مثلاً عجز الأنظمة العربية الواضح عن التقدير السليم لخطورة رسالة "السبتمبريين"، وجدية التعاطي الغربي، خاصة الأمريكي، معها! وربما يكون الزعيم الراحل ياسر عرفات، في تبرعه بدمه لضحايا الهجمات(43)، نموذجاً لسذاجة وانتهازية قراءة حكوماتنا لطبيعة المُتغيرات، وما يُتوقع أن يكون عليه عالم "ما بعد 11سبتمبر"!



قراءة استراتيجية نزيهة ومُنظمة لما أحدثته هجمات "السبتمبريين" من تداعيات، خارج الولايات المتحدة وداخلها(44)، كانت كفيلة بالتنبيه إلى سذاجة وانتهازية تعاطي حكوماتنا معها! ما لاحظته هو غياب مثل هذه القراءات! باحثونا لم ينبهوا إلى حرص حكوماتنا "المكشوف ـ على الأقل للغربيين ـ"، على استغلال هجمات 11/9، في تشويه صورة الاسلاميين في الداخل والخارج، وفي تقديم نفسها كبديل "وحيد" للفوضى والعنف، في منطقة الشرق الأوسط والعالم!



عوامل عديدة على ما يبدو ساهمت بقوة في تعميق قناعة أنظمتنا السلطوية "المُغادرة"، بامكانية الالتفاف على الاصرار الغربي الشديد على مداواة البيئة العربية المُحتقنة، كونها ملائمة برأي الغربيين ورأينا لتفريخ العنف والارهاب:



· تخبط إدارة الرئيس بوش(الابن) الشديد في ترجمة استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، في شقها المعني بالعالم العربي، إلى واقع، لابد وأنه ساهم بقوة في طمئنة الأنظمة العربية ـ سواء الصديقة لأمريكا أوالمناوئة لها، وكلاهما هنا سواء ـ إلى صعوبة، بل استحالة، تكرار السيناريو العراقي معها، نظراً لكارثية المأزق الأمريكي في العراق، وما ألحقه بسمعة الولايات المتحدة من ضرر شديد! لم يدر بخلد حكوماتنا أن ثمة بدائل أخرى "ناعمة"، يمكن ان يلجأ إليها الغربيون، لادراك ما عجزت قوتهم "الخشنة" الجبارة، عن الوصول إليه!



خذ مثلاً ما أحدثته إدارة الرئيس بوش من جدل واسع بشأن استخدام القوة في أعقاب 11/9. فوفقاً لنص الاستراتيجية الأمريكية للأمن القومي: "بالنظر إلى أهداف الدول المارقة والارهابيين، فإن الولايات المتحدة لا تستطيع الاعتماد فقط على وضعية رد الفعل كما كنا نفعل في الماضي. إن عدم القدرة على ردع مهاجم محتمل، وطبيعة التهديدات الفورية اليوم، وحجم الضرر المحتمل الذى يمكن أن يُلحقه بنا أعداؤنا، لا تتيح لنا ذلك الخيار. لذا لا يمكننا أن ندع أعدائنا يسددون الضربة الأولى"! الصخب الذى استُقبل به ما يُدعى بمذهب "الضربات الاستباقية" أدى بالفعل إلى تحويل انتباه العالم في وقت حرج عما فعلته "القاعدة" إلى ما تفعله الولايات المتحدة، رغم ـ والكلام لمادلين أولبرايت ـ عدم صحة الزعم باكتفاء الولايات المتحدة تاريخياً بوضعية رد الفعل، فقد استخدمت الولايات المتحدة القوة عدة مرات دون أن تُهاجَم، ففي الربع الأخير من القرن ال20 فعلت ذلك كثيراً!



أيضاً، وعلى خلفية ما يُعرف بمشروع "الشرق الأوسط الكبير"، اجتمعت الانتخابات في العراق وأفغانستان وجورجيا وأوكرانيا ولبنان لتوليد موجة مدية، بلغت ذروتها فبل الأوان! ولقد أيدت كونداليزا رايس عندما زارت مصر عام 2005 بشجاعة الاصلاحات الديمقراطية. غير أنها، عندما عادت بعد سنتين التزمت الصمت حيال القضية نفسها. كان الدرس المُستقى ـ في رأي الأمريكيين ـ في الفترة الفاصلة أن العديد من العرب، عندما تُتاح لهم حرية الاختيار، لا يختارون ما تحبه أمريكا! وبالتالي وجدت الادارة، التى سبق وزعمت أن الاعتماد على الحكام العرب غير المنتخبين من أجل الاستقرار كان خطأ تاريخياً، نفسها وللغرض نفسه، مُتلبسة باللجوء إلى حكام غير منتخبين، أسمتهم المعتدلين!



وعندما تحدث الرئيس بوش عن التحول الديمقراطي في الشرق الأوسط فيما كان العراق يحترق، فسر الرأي العام العربي ـ بايعاذ من الأنظمة العربية ومفكريها ـ النوايا الأمريكية بأنها تهديد لحكامهم وأوطانهم المُستقلة(!!) أكثر مما اعتبروه خطة أمريكية لنشر الليبرالية السياسية! الأمريكيون فارقتهم براعتهم في التعبير عن دعمهم بطرق لا تُثير ارتياب الشعوب في أن التغيير بيدها لا بيد الغرب! دعاة غزو العراق أخبروا أنفسهم على ما يبدو أن العرب يحترمون القوة الخشنة، وأن إظهار "الصدمة والرهبة" سيقنع الجميع في المنطقة بأن الولايات المتحدة الأمريكية مُصممة على فرض إرادتها. وتوقعوا أن يُفسح هذا الطريق أمام البنتاجون لاسناد السلطة إلى المنفيين العراقيين المؤيدين لأمريكا. بوش لم يكن له ـ وكما تعاتبه المخضرمة أولبرايت ـ، أن يتجاوز في هذا كله الاشارات التى يشيع ارتباطها بالمثالية، تقصد استخدامه لها كغطاء: احترام القانون الدولي، احترام الأمم المتحدة، التعاون مع الحلفاء، الاهتمام بمباديء الحرب العادلة(!!).



التخبط في معالجة المأزق العراقي زاد الطين بلة! الرئيس بوش لم يستقر على التحول الديمقراطي كسبب رئيسي للغزو إلا بعد أن ظهر حُمق منطق إدارته "المُستهجن". فبما أنه لم تكن هناك أسلحة دمار شامل ولا ارتباط ذو مغزى بين صدام حسين والقاعدة، صار لابد من طرح نظرية جديدة لتبرير الحرب. لم يكشف بوش إلا في نوفمبر2003، أي بعد مرور ثمانية أشهر على الغزو، عن استراتيجيتة للحرية في الشرق الأوسط. وأتبع هذا الاعلان بسلسلة مزاعم لم تلق قبولاً في مجتمعاتنا، عن الديمقراطية باعتبارها ترياقاً للارهاب وتجفيفاً لمنابعه!



الرئيس بوش لم يتنبه على ما يبدو لاستفادة القاعدة من قدرتها على تصوير نفسها بأنها مدافعة عن الاسلام ضد الصليبيين الامبرياليين وصنائعهم من الأنظمة العربية غير المنتخبة. وكذا لم يتنبه للتأثير المُعاكس لحرب العراق على القدرات الأمريكية العسكرية. لأنه وعلى الرغم من أن الأعداء المحتملين ـ والكلام لأولبرايت ـ لا يشكون في قدرة الأمريكيين على الحاق الضرر بهم، فقد تعلموا استخدام الجبروت الأمريكي ضد الأمريكيين، بطرق عديدة، منها: أـ تصوير الدمار وبث الصور في العالم أجمع، لاسيما عندما يسقط مدنيون بين الضحايا! ب ـ توجيه الضربات إلى الغرب لاثارة رده الأخرق بإعمال الجبروت أكثر من الفكر فيسقط "شهداء" جدد وتبرز أدلة جديدة على أن الاسلام تحت الحصار. ويتطوع العديدون مُقابل كل مُسلم يُقتل، ويسعون إلى الثأر بسفك دماء جديدة.



رسالة الرئيس بوش إلى كل دول العالم، في أعقاب 11/9، كانت: "إما أن تكونوا معنا وإما ضدنا". رسالة كهذه كانت ستكون ملائمة لو استمر تحديد الرئيس للعدو على حاله. فقد كان توحيد معظم العالم ضد من فجر الابرياء أمراً سهلاً. لكن بوش فارق الحكمة، حين شوش بعد ذلك القضية بالسماح بتحويل التركيز عن القاعدة. فسرعان ما وجدت الولايات المتحدة نفسها تطالب الآخرين بأكثر من الوقوف معها ضد أسامة بن لادن. صارت تطالبهم بالتغاضي عن "ابو غريب"، وقبول "جوانتانانو"، والتصديق على غزو العراق، والرؤية الأمريكية للشرق الاوسط. في وقت كانت القاعدة تقدم للعالم خياره، بين المسلمين الذين يعانون وأمريكا المولعة بالحرب. ترك ذلك العديد من الاشخاص في حيرة من امرهم.



فهم لا يريدون الموافقة على تكتيكات القاعدة، لكنهم لا يريدون الاقتراب من أمريكا كثيراً! حول الجلاد بوش ـ لسوء حظه ـ الحلفاء إلى متفرجين!



· عدم تنبه حكوماتنا "المُغادرة" لحتمية أن تواجه ـ شاءت أم أبت ـ، حقائق البيئة العالمية الجديدة، والتى تشهد قتالاً ضارياً من جانب أبناء الغرب وحلفائهم، لاعادة انتاج نظام الهيمنة القديم، فحضارة الغرب تُمثل محوراً لعالم اليوم! بطل "فالدن 2"، عبر بدقة عما يُتوقع أن يكون عليه هذا النظام الجديد من الهيمنة الغربية، حين قال(45): "اننا نلتزم نظاماً للسيطرة بحيث أن المُسيطر عليهم يشعرون بأنهم أحرار، على الرغم من أنهم يخضعون لقانون أشد صرامة من النظم القديمة. إذ عن طريق تصميم دقيق وحذر للثقافة نتحكم في نوازع السلوك، وليس في السلوك النهائي، أي نتحكم في الحوافز والرغبات والأماني. وها هنا تصبح مسألة الحرية غير ذات موضوع"! ثم يتساءل بطل "فالدن 2": ماذا بقي لكي نفعله بعد ذلك؟ ما رأيك في تصميم الشخصيات؟ والتحكم في الأمزجة؟ هل يبدو ذلك الأمر خيالياً؟ ولكن بعض التقنيات متاحة، ويمكن اعداد كثير غيرها تجريبياً. إننا نستطيع أن نحلل السلوك الفعال ونصمم التجارب لاكتشاف كيف نغرس ما نريد في الشباب. الانسان ضعيف، يمكن اخضاعه للسيطرة، ويكون ضحية..!



· ارتضاء حكوماتنا، على نحو شديد "الاستهتار" و"الانتهازية"، فتح حدود بلادنا، لبعثات بحوث غربية، أو مشتركة، من كل حدب وصوب، تقوم بعمليات مسح شاملة، في الحضر والريف، تناولت بحوثاً اجتماعية ونفسية وطبيعية..الخ. لتعود بمعلوماتها ونتائج بحوثها إلى بنوك المعلومات المملوكة للحكومات الغربية ـ خاصة الأمريكية(46) ـ، أو الشركات متعدية القوميات التى تمول هذه المشروعات البحثية الاستطلاعية بسخاء واضح! وتظل هذه المعلومات حبيسة البنوك، تخرج بقدر وحسب المصلحة، ملك للمتحكمين في مصائر المُستضعفين في الأرض، ونحن في طليعتهم، وإن صور لنا جهلنا وتُجار الآلام خلاف هذا!



· تعويل حكامنا الشديد على امكانية نجاح جهودهم الرامية لتأجيج حملات التشهير المتبادلة بين العرب والغربيين ـ خاصة الأمريكيين ـ، في تشتيت انتباه الطرفين عن ضلوعهم وأنظمتهم في تهيئة البيئة الملائمة لتفريخ الارهاب والعنف في أوطانهم، عبر تجفيف منابع الحرية وحرمان شعوبهم من حق النقد والتطوير! أغرى حكوماتنا بهذا اشتباك مفكرين عرب بارزين مع هذه الحملات ـ رفضاً أو قيولاً، وكلاهما هنا سواء ـ، حتى أن أحدهم خصص كتاباً لمنافشة الأ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://philo-ethique.alafdal.net
 
اي دم كتب التاريخ العربي حازوم خيري ج 2
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» أى دمٍ قد أعاد كتابة التاريخ العربي(*)! حازم خيري
» أوهام بعضها فوق بعض حازم خيري
» اوهام بعضها فوق بعص حازم خيري الجزء الأخير
» اوهام بعضها فوق بعص حازم خيري الجزء الثاني
» المستشرقون وتحقيق التراث العربي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
فلسفة الأخلاق :: مساهمات و توجيهات للباحثين :: مساهمات فكرية-
انتقل الى: